إن تعريفات ترامب الجديدة، باعتبارها سلاحا ذا حدين، لم تؤد إلى أزمة في الاقتصاد العالمي فحسب، بل أدت أيضا إلى انخفاض تاريخي في الأسواق الأمريكية وسخط محلي.
وبحسب ما نقلته وكالة مهر للأنباء عن المجموعة الدولية حسن شاكوهي نسب: صدم "دونالد ترامب" العالم في اليوم المسمى "يوم الحرية" (2 أبريل 2025 الموافق 13 أبريل 1404)، بنشره قائمة طويلة من الرسوم الجمركية بين 10 و50 بالمئة على 60 دولة.
فرض ترامب تعريفة عالمية بنسبة 10% "أساسية" على جميع السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، وتأثرت بعض الدول والجهات الفاعلة العالمية بشدة من حرب التعريفات. على سبيل المثال، يواجه الاتحاد الأوروبي تعريفة جمركية بنسبة 20 في المائة، في حين تتأثر بشدة دول مثل فيتنام (46 في المائة)، وبنغلاديش (37 في المائة)، وكمبوديا (49 في المائة)، وماليزيا (24 في المائة)، والصين (34 في المائة)، وتايوان (32 في المائة)، واليابان (24 في المائة)، وليسوتو (50 في المائة).
الاقتصاد العالمي في صدمة التعريفات الجمركية؛ ترامب وتحدي التجارة الحرة في القرن الحادي والعشرين
أثارت حرب الرسوم الجمركية التي شنها ترامب، والتي اندلعت بعد شهرين ونصف فقط من توليه رئاسة الولايات المتحدة، ردود فعل حادة ليس فقط داخل هذا البلد، بل أيضا من الدول والمؤسسات الدولية والأسواق العالمية. ومن وجهة نظر المراقبين، فإن عواقبه تؤثر حتى على مستقبل النظام التجاري الدولي.
1. موجة مضادة من التعريفات؛ بداية جولة جديدة من الحرب التجارية
وفي أعقاب الإعلان عن سياسة ترامب الجمركية، اتخذ العديد من شركاء أمريكا التجاريين إجراءات انتقامية. أعلن الاتحاد الأوروبي، الحليف القديم للولايات المتحدة، أنه سيفرض رسومًا جمركية انتقامية على البضائع الأمريكية، بما في ذلك المنتجات الزراعية والسيارات.
على سبيل المثال، أعلنت شركة تصنيع السيارات الإنجليزية "جاكوار لاند روفر" أنه بسبب "الشروط التجارية الجديدة" لتعريفة ترامب البالغة 25%، فإنها ستتوقف عن إرسال شحناتها إلى هذا البلد لمدة شهر.
بالإضافة إلى ذلك، في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف العالمية بشأن الركود الاقتصادي الناجم عن التعريفات الأمريكية الجديدة، بدأت الحكومة البريطانية جهودها لتشكيل تحالف دولي بهدف مواجهة سياسات البيت الأبيض المثيرة للجدل والدفاع عن نظام التجارة الحرة العالمي.
وواجهت الصين، التي تعتبر أكبر منافس لأمريكا، تعريفة ترامب البالغة 34%، وحذرت من أنه إذا استمر هذا الاتجاه، فإنها ستفرض تعريفات جديدة على واردات الطاقة والتكنولوجيا والسلع الزراعية من أمريكا. وفي هذا الصدد، أعلنت صحيفة "جلوبال تايمز" البلاد، في تقرير نقلا عن لجنة التعريفات الجمركية التابعة لمجلس الدولة الصيني، أن بكين ستفرض تعريفة إضافية بنسبة 34% على جميع السلع المستوردة من أمريكا اعتبارا من الأسبوع المقبل، بناء على معدلات التعريفة الحالية. ووفقا لهذا التقرير، سيتم تطبيق التعريفات الإضافية اعتبارا من 10 أبريل (21 أبريل).
وتدرس المكسيك والبرازيل والهند وإندونيسيا أيضًا اتخاذ تدابير مماثلة. من ناحية أخرى، أعلن "نيكولاس مادورو"، رئيس فنزويلا، فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية المفروضة على بلاده من قبل الولايات المتحدة: كراكاس ستتغلب على حرب "ترامب" التجارية.
وقد أدت ردود الفعل المتسلسلة هذه، والتي لم نذكر سوى القليل منها، إلى زيادة خطر نشوب حرب تجارية واسعة النطاق والحد من القدرة على التنبؤ بالاقتصاد العالمي.
2. انخفاض النمو الاقتصادي العالمي. تحذير صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية
وبعد تطبيق التعريفات الجمركية، خفض صندوق النقد الدولي النمو الاقتصادي العالمي في عام 2025 من 2.9% إلى 2.3% في تقريره الجديد. كما حذرت منظمة التجارة العالمية من انخفاض حجم التجارة الدولية بنسبة 5.6% في النصف الأول من العام الجاري. كما شهدت الأسواق العالمية تقلبات شديدة في عدة مناسبات، وشهد مؤشر البورصات الأوروبية والآسيوية انخفاضا متوسطا بنسبة 3 إلى 5 في المائة خلال شهري مارس وأبريل.
3. اضطراب سلسلة التوريد العالمية وارتفاع أسعار السلع الوسيطة
وقد أدى تطبيق التعريفات الجمركية على نطاق واسع إلى تعطيل سلاسل التوريد الدولية التي تعتمد بشكل كبير على الاتصالات عبر الحدود. ومن بين العواقب المحددة لهذه الاضطرابات زيادة تكاليف الإنتاج في البلدان النامية، حيث يعتمد جزء كبير من صادراتها على الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التباطؤ في نقل قطع الغيار والمواد الخام في التكنولوجيا وصناعات السيارات والأدوية، فضلاً عن الزيادة بنسبة 15% إلى 20% في التكلفة النهائية لبعض منتجات التصدير في آسيا وأميركا اللاتينية، من العواقب الأخرى المترتبة على معركة التعريفات هذه.
4. المخاوف في سوق النفط والطاقة والسلع الأساسية
كما أثرت زيادة التوترات التجارية وعدم الاستقرار في سلسلة التوريد على أسواق الطاقة العالمية. على سبيل المثال، انخفض سعر خام برنت لأول مرة إلى أقل من 72 دولارًا استجابة لإعلان التعريفات الجمركية، لكنه ارتفع بعد ذلك مرة أخرى بسبب المخاوف بشأن انخفاض العرض العالمي. وفي الأيام الأخيرة، انخفض سعر النفط العالمي بنحو 8% بعد إعلان الصين أنها ستزيد الرسوم الجمركية على البضائع الأمريكية، وهو أدنى سعر للنفط منذ منتصف وباء كورونا في عام 2021.
كما ارتفعت أسعار المعادن مثل الألومنيوم والصلب والنحاس بنسبة 8 إلى 12 في المائة بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد وبطء الصادرات. كما شهدت سوق السلع الأساسية تقلبات، وهو أمر مقلق للغاية بالنسبة للبلدان التي تعتمد على الواردات الغذائية.
5. رد فعل المؤسسات الدولية وضعف موقف الولايات المتحدة
وقد أعربت المؤسسات الدولية، بما في ذلك منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، عن قلقها بشأن نهج ترامب. وشددوا على أن التدابير الجمركية الأمريكية الأحادية الجانب تتعارض مع مبادئ التجارة الحرة العالمية. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال لزيادة الشكاوى الرسمية ضد الولايات المتحدة في إطار منظمة التجارة العالمية. وأعلن مندوب الصين الدائم لدى منظمة التجارة العالمية مؤخرا، أنه قدم شكوى رسمية إلى المنظمة ضد الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، معتبرا أن تصرفات الولايات المتحدة تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية. بالإضافة إلى ذلك، قد تتحرك دول أخرى لتشكيل كتل تجارية جديدة بدون الولايات المتحدة (مثل تعزيز مجموعة البريكس، أو شنغهاي، أو التحالف الإقليمي لآسيا والمحيط الهادئ). ومن الممكن أن يؤدي هذا الاتجاه إلى إضعاف مكانة أمريكا باعتبارها مركز التجارة العالمية على المدى الطويل.
ظلال التعريفات الجمركية على الاقتصاد الأمريكي؛ الانخفاض التاريخي للمؤشرات وزيادة تكاليف الإنتاج
وفي الأيام الأخيرة، حذرت العديد من وسائل الإعلام والسلطات المحلية والأجنبية، وكذلك الشعب الأمريكي، من ارتفاع الأسعار في هذا البلد.
وكتبت صحيفة "غارديان" الإنجليزية في تقرير تحذيري: إن اليوم الذي أطلق عليه "دونالد ترامب" رئيس الولايات المتحدة، يوم الحرية الاقتصادية، سيكون يوم الركود في أمريكا والمعاناة لشعوب العالم. وقراراته التي تبدو أشبه بانتقام شخص انتقامي منها بسياسة اقتصادية محسوبة، يمكن أن تؤدي إلى ركود في الولايات المتحدة وضغط على الاقتصادات الضعيفة في العالم.
انتقد "تشاك شومر"، زعيم الديمقراطيين (الأقلية) في مجلس الشيوخ الأمريكي، بشدة سياسات التعريفات الجمركية الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، محذرا من أن التعريفات الجمركية والحرب التجارية العالمية ستزيد التكاليف على الأمريكيين، وهذا الوضع كارثة.
ووصف بول كروجمان، الاقتصادي الأمريكي البارز، تصرفات ترامب بأنها مطالب ملك مجنون، وقال: "إن حجة إدارة ترامب بشأن هذه التعريفات متناقضة تماما، لأنها من ناحية تدعي أن الأسعار لن ترتفع، ومن ناحية أخرى، تتوقع كسب مئات المليارات من الدولارات بهذه الطريقة".
كما حذر "جيروم باول"، رئيس البنك المركزي الأمريكي، من أن سياسات ترامب يمكن أن تبقي النمو الاقتصادي في البلاد أبطأ والتضخم أعلى من المتوقع.
كما توقع "مارك زاندي"، المحلل الاقتصادي الأمريكي، أن تؤدي تعريفات ترامب الجمركية إلى الركود قريبًا وسيستمر هذا الركود حتى العام المقبل. وقد ينخفض النمو الاقتصادي الأمريكي بنسبة 2% وقد يصل معدل البطالة إلى 7.5%.
1. الانهيار غير المسبوق للأسواق المالية الأمريكية
وفي استجابة مباشرة للإعلان عن التعريفات الجديدة، شهدت أسواق الأسهم الأمريكية تراجعا تاريخيا، وانخفضت مؤشرات ستاندرد آند بورز 500 وناسداك وداو جونز في سوق الأسهم في البلاد.
وفي هذا الصدد، أشارت "سي إن بي سي" إلى تعريفة إدارة ترامب البالغة 10% على جميع الشركاء التجاريين الأمريكيين وكتبت: ستدخل التعريفة البالغة 10% حيز التنفيذ يوم السبت، وسيتم تطبيق معدلات محددة لـ 60 دولة أخرى خلال الأسبوع المقبل.
وأضافت وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية أن قرار ترامب سيزيد معدل التعريفات الأمريكية الفعلية من 2.5% إلى أكثر من 20%، وهو أعلى مستوى منذ عام 1910 وأعلى من تعريفات سموت-هاولي عام 1930، والتي ساعدت في تفاقم الكساد الكبير.
وأشارت سي إن بي سي إلى الهبوط التاريخي للمؤشرات وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 5.97%، وهو أدنى مستوى منذ عام 2023، وأضافت: كما شهد مؤشر ناسداك انخفاضًا بنسبة 5.82% وشهد مؤشر داو جونز أيضًا انخفاضًا قدره 3900 نقطة في يومين، وهو أمر غير مسبوق.
وفي نظر المراقبين، فإن هذا الانخفاض الكبير لم يقوض ثقة المستثمرين فحسب، بل تسبب في انخفاض كبير في قيمة أصول التقاعد وصناديق الاستثمار المشتركة وأسهم الملايين من الأميركيين.
وفقًا للخبراء الاقتصاديين، وصفت قناة CNBC الإجراء التعريفي الذي اتخذه ترامب بأنه أكبر خطأ سياسي في الـ 95 عامًا الماضية، ونقلت عن بول كروجمان، وهو اقتصادي أمريكي بارز، الذي كتب: إن هذه التعريفات تشبه رغبات ملك استبدادي أكثر من كونها سياسة اقتصادية عقلانية.
2. زيادة التضخم والضغط على المستهلكين
أدى فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات السلع الاستهلاكية من دول آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية إلى زيادة مباشرة في أسعار السلع اليومية في الولايات المتحدة. وتشمل بعض التأثيرات الموثقة أو المقدرة زيادة بنسبة 1.3 إلى 2.1 في المائة في مؤشر أسعار المستهلك في شهر واحد فقط؛ زيادة متوسط التكلفة السنوية للأسر حتى 1750 دولارًا (بناءً على حسابات مراكز التحليل الاقتصادي المستقلة)؛ وشهدت أسعار بعض السلع مثل الملابس والأجهزة المنزلية والسيارات المستوردة نمواً في بعض الولايات يصل إلى 25% مقارنة بالشهر السابق. وتأتي هذه الزيادات في الأسعار في الوقت الذي لا يزال فيه العديد من الأمريكيين يتصارعون مع عواقب التضخم 2021-2023.
3. الاهتمام بالصناعات المحلية. لم يصبح الإنتاج أرخص فحسب، بل أصبح أيضًا أكثر تكلفة
وعلى النقيض من هدف ترامب المتمثل في دعم الصناعات المحلية، حذر العديد من المصنعين الأمريكيين من أن زيادة التعريفات الجمركية ستؤدي في الواقع إلى رفع أسعار المواد الخام وقطع الغيار المستوردة وتقليل قدرتها التنافسية. على سبيل المثال، أعلنت شركات التكنولوجيا وتجميع قطع الغيار أن تكلفة الإنتاج زادت بنسبة 18%. وقالت بعض المصانع، مثل شركات تصنيع الأجهزة المنزلية في أوهايو وويسكونسن، إنها اضطرت إلى خفض نوبات العمل وتسريح بعض العمال. وحذرت الجمعية الأمريكية لصناعة السيارات والصناعات المعدنية، في بيان لها، من أنه إذا استمر الاتجاه الحالي، فإن أكثر من 250 ألف وظيفة ستكون معرضة للخطر بحلول صيف عام 2025.
4. الاحتجاجات الاجتماعية والانتقادات السياسية داخل البلاد
وكان انعكاس هذه السياسات في الرأي العام سلبياً أيضاً. ووفقا لمسح أجراه أحد مراكز الأبحاث، فإن حوالي 58% من الشعب الأمريكي يعتبرون سياسات ترامب الجمركية هي السبب في ارتفاع الأسعار. ويؤيد 32% فقط من الناخبين المستقلين استمرار هذه السياسات. وقد انتقد اتحاد المزارعين وغرفة التجارة الأمريكية وبعض الحكام الجمهوريين، بما في ذلك ولايتي تكساس وأريزونا، هذه السياسات علانية. بالإضافة إلى ذلك، في ولايات مثل أيوا وإلينوي، بدأ المزارعون مسيرات احتجاجية وطالبوا بمراجعة السياسات التجارية للحكومة.
5. الآثار المالية؛ خطر الركود وزيادة عجز الموازنة
أدى انخفاض سوق الأسهم وزيادة التضخم والضغط على الاستهلاك المحلي إلى وضع البنك المركزي الأمريكي في موقف صعب. ورغم أن سعر الفائدة ظل ثابتا في الوقت الحالي، إلا أن المحللين حذروا من أنه إذا استمر هذا الاتجاه، فإن معدل النمو الاقتصادي في عام 2025 قد يصل إلى أقل من 1 في المائة. ومن المرجح أن يصل الركود الاقتصادي إلى 45% بنهاية العام الجاري. بالإضافة إلى ذلك، قد يرتفع عجز الميزانية الأمريكية إلى 1.8 تريليون دولار إذا تطلب الأمر سداد حزم المساعدات للصناعات المتضررة.
وبشكل عام، تظهر الأدلة الإحصائية والمسوحات وردود أفعال السوق أن سياسة التعريفة الجمركية التي اتبعها ترامب في الإدارة الثانية لم تفشل فقط في المساهمة في الرخاء الاقتصادي، ولكنها زادت من الضغوط على مختلف القطاعات وجعلت خطر دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود جديد أكثر خطورة. وفي مثل هذه الحالة، أدى شعار «دعم الإنتاج المحلي» فعلياً إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وانخفاض العمالة، وانخفاض السوق، وعدم الاستقرار المالي. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فسوف تواجه إدارة ترامب تحديا هائلا في الحفاظ على دعم الطبقة المتوسطة، والاستقرار الاقتصادي، والسلام الاجتماعي.
ارسال تعليق